نشر في مجلة شؤون فلسطينية الصادره في بيروت عدد ٤٤ - ١٩٧٤
حرف القدس المطبعي
فلاديمير فائق تماري
هذه الحروف هي تصاميم لحرف مطبعي عربي جديد. أسميته القدس لأنه مبني على الخطوط العربية الموروثة, القديمة, الجميلة (كالقدس الحبيبة) و في نفس الوقت صممته بحيث يفي بمتطلبات العصر الحديث و الطباعة الحديثة- إذن المستقبل (القدس المحررة).
هذا ما حاولت عمله, و بما أن الحرف المطبعي العربي قد أثار بما فيه الكفاية من الجدل و المؤتمرات و المشاريع "لحل" مشاكله, فلن أزيد الطين بلة و لن أدعي أن هذا هو الخط المثالي: بل هو خط بسيط حديث عملي للإستعمال اليومي في كتب الأطفال و لمحو الأمية.
الخطوط العربية الموروثة كثيرة و تختلف كثيراً عن بعضها البعض في شكل الأحرف (كمثال فكر بشكل الكاف بخطوط الثلث و النسخ و الرقعة). في خط القدس حاولت إيجاد جوهر الحرف كما تداوله و كتبه العرب و كما وصلنا اليوم: الشكل المتوسط بين الأشكال المختلفة. و في بداية هذا المشروع قبل ١٢ سنة طلبت من مئات من أطفال الصف الأول الإبتدائي كتابة جملة تحوي جميع أحرف العربية بمواقعها المختلفة. وجدت أن الأطفال حلوا المشكلة بأنفسهم: الكاف تتربع و الواو تتدور بشكل جميل بسيط. إذن يمكن إستعمال الحرف المطبعي الجديد لطباعة كتب الأطفال و لتعليم القرائة و الكتابة – قبيل تعليمهم خط الرقعة الذي يتطلب "مسكة و ريشة و إناء حبر" و اللذي يصعب على تلاميذ الصفوف الإبتدائية
الطباعة بلاء و تحدي نزلا على خطوط العالم كافة. الخط يعني الخط اليدوي الذي يكتبه الخطاط. تاريخ الخط العربي كثيف و غني, تطور من الخطوط السامية القديمة إلى الخط الكوفي الأصلي الذي كتبت به مصاحف صدر الإسلام (١) و عبورًا بخط الثلث الذي وضع قوانينه إبن مقلة ( و يقال أنه بنى مقاييس الأحرف في دائرة قطرها طول الألف). و مع الإنحطاط العثماني زاد الحرف زركشة و تم ابتكار خط الرقعة للمراسيم الحكومية الروتينية. و في القرن الماضي كانت مشكلة المطبعة العربية هي تقليد الحرف المخطط باليد حتى أنهم كانوا يفتخرون بأن الكتاب المطبوع يبدوا للناس و كأنه مكتوب باليد! و كان عدد الأحرف في الصناديق المطبعية يتعدى المئات. أما الان فقد تطور الحرف المطبعي العربي و لم يعد عدد الأحرف المطبعية من المشاكل الأساسية
المشكلة كمل أراها هي في نوع الحرف و تصميمه. لم ينتبه إلا القلائل إلى الإنحدار المخيف في مستوى و شكل الحرف المطبعي العربي اللذي نقرأه كل يوم في الكتب و الجرائد و مطبوعا على العلب و القوارير و كافة المصنوعات العربية. إنه حرف كادت نقاطه أن تختفي. الأحرف تتعوج و تلتصق ببعضها البعض بأي طريقة كانت. كثافة جسم الحرف تكبر و تقل دون ضابط. المحاولات في تحسين الأحرف المطبعية المتداولة غير شاملة و تقتصر على حرف دون حرف. و لعل الخوف من إعتراضات فقهاء الخط هو من أهم العوامل بقائنا في هذا المستنقع المطبعي. العامل الثاني هو الإهمال و الجهل
في حرف القدس النقاط مدورة و كبيرة لتسهيل القراءة و لأن النقطة المربعة لها زوايا تبدو مشوشة عندما تطبع على ورق غير مصقول كورق الجرائد. بالمناسبة كانت النقاط مدورة على خط الثلث المكتوب في القرن الرابع للهجرة (العاشر م.). كثافة جسم الحرف متساوية قدر الإمكان فأنا لا أريد تقليد الخط المكتوب بالبوصة (إستقلال الحرف المطبعي عن الحرف المكتوب ظاهرة عالمية في الأحرف الحديثة نجدها حتى في الحرف الياباني(٢). حاولت أن أصمم الأحرف بحيت أن تكون المسافة بين الأحرف و بين خطوطها و نقاطها كافية للقراءة المريحة
لتسهيل مهمة العامل المطبعي الذي يصف الأحرف، صممت ذيلا موحدا للباء و التاء و الثاء و الفاء النهائية بحيث نوفر ٣ أحرف في الصندوق المطبعي. و ذيل آخر للعين و الغين و الحاء و الجيم و الخاء النهائية مما يوفر ٦ أحرف إضافية (أنظر الشكل). وجدت هذه الفكرة مطبوعة في كتيب نشر في إستنبول قبل أن يتفضل أتاتورك فيحل مشكلة العربي بلغيه و استبداله بالحرف اللاتيني. و أظن أن مشاريع توحيد الحرف العربي أو استعمال الحرف اللاتيني غير ناجحة لعدة أسباب أحدها أن ذلك أن ذلك يحطم شكل الكلمة و سلاستها: لقد أثبتث التجارب العلمية أن القارىءيعي الكلمة أم الجملة بنظرة واحدة و لا يحلل كل حرف بحرفه – و بطبيعة الحال نجد لكل كلمة عربية مكتوبة شكل مميز يختلف عن الكلمة الثانية دون أن تكون أحرف الكلمة الواحدة مبعثرة. و هذه ميزة تسهل القراءة. لم أتطرق لمسألة التشكيل و توضع الحركات لحرف القدس بالطرق المطبعية العادية
أرجو أن يسد حرف القدس بأحجامه المختلفة الحاجة لحرف مطبعي عربي حديث (٣). و المطلوب من الجيل القادم أن يتذوقوا الطباعة الجيدة المتقنة عامة و الحرف المطبعي خاصة. و أرجو أن يتفرغ بعض الشباب لدراسة فن تصميم الأحرف المطبعية لسبك أحرف جديدة تليق بآمالنا و بتراثتنا.
طوكيو في حزيران١٩٧٤
_____________________________________
١- ليس بالخط الكوفي المزركش الذي نقش على المساجد الفاطمية. أتيحت لي الفرصة في لندن عام ١٩٦١ لعمل دراسة شاملة لمصحف من القرن الثاني للهجرة ( الثامن م.)و ألهمني خطه ذو البساطة المتناهية مع الروعة’ بل الرهبة, في جماله و في تركيب أحرفه
٢- أنظر كتاب إريك جيل تصميم الحروف المطبعية و هو النحات و الخطاط الإنجليزي الذي صمم الحرف الشهير المسمى بإسمه. و من الجدير بالذكر أن أحرف مبسطة جديدة ظهرت زمن الثورة الروسية و إبان جمهورية ويمار في ألمانيا في مدرسة الباوهاوس
٣-من الأفضل أن لا يستعمل هذا اللحرف كمكا هو الآن لصف الكتب إذ أن ذلك يتطلب تصميما خاصا لحرف ذو حجم صغير بنط ١٢ أو أصغر